” أم الأطباء “
“يد يحبها الله ورسوله .. يد تعطي وتمنح خير من يد تأخذ وتمنع”
ولدت زهيرة عابدين في 17 يونيو 1917 في أسرة ارستقراطية عريقة؛ فوالدها هو حافظ بك عابدين عضو مجلس الشيوخ في الأربعينات، وجدها حسين بك عابدين عضو مجلس شورى القوانين في عهد الخديوي توفيق، وجدها الأكبر من القادة العسكريين في عهد محمد علي، وهو صاحب القصر الذي اشتراه الخديوي إسماعيل، وأنشأ مكانه قصر عابدين الذي أصبح مقرًّا لحكم مصر، أما شقيقتها فهي الدكتورة فاطمة عابدين رائدة علم تحاليل الأورام في مصر.
حفظت زهيرة عابدين القرآن الكريم في سن صغيرة، ودرست بمدرسة السنية الثانوية، وكانت الأولى في الثانوية على مستوى القطر المصري عام 1936، حصلت زهيرة عابدين على بكالوريوس الطب والجراحة عام1941 من قصر العيني، وكانت أول طبيبة يُسمح بتعيينها في هيئة التدريس بالجامعات المصرية بعد عودتها من إنجلترا عام 1949، وكانت أول طبيبة عربية تحصل على عضوية الجمعية الملكية البريطانية، كما كانت أول طبيبة عربية تحصل على درجة كلية الأطباء الملكية بلندن.
وتقول عن تلك الفترة: “تعودت على صلاة الفجر يوميًّا وكان عمري خمس سنوات، وكنت أحفظ القرآن منذ طفولتي، حتى إنني عندما التحقت بمدرسة تبشيرية اسمها (سان ماري) أدخلوني في إحدى الحصص مع الأطفال كنيسة المدرسة لتأدية طقوس الصلاة والاستماع للتراتيل التي تتلوها الراهبات، إلا أنني وجدت لساني قد انعقد عن النطق، وقلبي انقبض بشدة، وشعرت بكره شديد لهذه المدرسة، وطلبت من والدي أن يلحقني بمدرسة أخرى؛ لأنني لن أذهب لهذه المدرسة مرة أخرى، واستجاب والدي لرغبتي، وألحقني بمدرسة السُنيّة رغم أنها بعيدة جدًّا عن منزلنا آنذاك”.
وتتذكر أنها كانت حين لا تجد مكانًا للصلاة في مدرستها الجديدة، لم تمنعها شجاعتها من طلب توفير مكان للصلاة، واستجابت الناظرة وسمحت لـ “زهيرة” وزميلاتها بتنظيف إحدى الحجرات في جانب من فناء المدرسة، واتضح أنه كان مسجدًا، ولكنه أُغلق وأُعيد افتتاحه، وأصبح المسجد شعلة نشاط من صلاة، ودروس تحفيظ، وتجويد قرآن كريم، وبدأت “زهيرة” الصغيرة النابهة تدعو الضيوف من علماء الأزهر.
وتذكر زهيرة عابدين عن مرحلتها الجامعية أنها كانت الطالبة المحجبة الوحيدة في الجامعة، في وقت كان الحجاب قد أصبح غريبًا حتى صار مستهجنًا، خاصة بين طالبات الجامعة اللواتي كن رهانًا مهما من رهانات دعاة التغريب.
تفردت زهيرة عابدين بوضع أسس علم الطب الاجتماعي؛ فكانت “أستاذ كرسي” لهذا التخصص بالكلية عام 1967.. ولهذا فهي رائدة من رواد العمل الاجتماعي في مصر والعالم، فقد انفردت أيضًا بوضع أسس ما يعرف بطب المجتمع
قدمت العديد من أبحاث طب الاطفال وخاصة في روماتيزم القلب عند الأطفال، فأنشأت تخصصًا لطب الأطفال بعيادات خاصة للتشخيص والمتابعة، حتى إنها نجحت في محاصرة مرض روماتيزم الأطفال بإنشاء مدرسة ابتدائية لهم ملحقة بالمستشفى لمتابعتهم طوال الوقت.
بلغ مجمل أبحاثها 120 بحثا نشرت في مجلات علمية متخصصة عالمية، وكانت الطبيبة الوحيدة عالميا التي حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة أدنبرة عام 1980، وأسست أول كلية لطب البنات في الإمارات عام 1986، ووضعت مناهجها وعكفت على إدارتها لمدة 7 أعوام، وساهمت في إنشاء جمعية الشابات المسلمات بالقاهرة، وتولت رئاستها، وأقامت وقفا لتعليم مسلمي البوسنة.
وثمة نقطة مهمة في حياة هذه السيدة العظيمة، هي أنها رغم أعمالها الاجتماعية الرائدة ومؤسساتها المتعددة، وانغماسها في العمل الاجتماعي والثقاف، حافظت في ذات الوقت على موقعها كباحثة لها مكانتها المرموقة في الوسط العلمي، فان الدكتورة زهيرة كانت مدرسة علمية مرموقة تعلَّم على يديها الكثير ممن احتلوا مراكز جامعية مرموقة على مستوى الأستاذية.
لقبتها نقابة الأطباء عام 1990 بـ (أم الأطباء) لمشوارها العظيم والخيري، قالت عنها الصحف المصرية والعالمية، إنّها «نموذج لامرأة قلما تستطيع امرأة أخرى محاكاتها في سيرة حياتها المليئة بأعمال الخير، لأن ما قامت به هذه السيدة في حياتها يقترب من مرتبة الأسطورة».
كانت أول مسلمة عربية تمنح جائزة إليزابيث نورجال العالمية للمرأة والخدمات الاجتماعية من ألمانيا عام 1991، كما منحتها مصر وسام الدولة الذهبي تقديرا لمكانتها العلمية، وخدماتها التطوعية للمجتمع، وقدمه لها الرئيس السادات.
حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 1997، وأطلق اسمها على أحد شوارع مدينة نصر؛ تكريما لها، وتم اختيارها أُمًّا للأطباء المصريين فى احتفال كبير.
تزوجت زهيرة عابدين من الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل، أستاذ التحاليل الطبية، الذي كان داعما لها بعد والدها، وأنجبت منه أربعة أبناء.
وقرب نهاية حياتها الحافلة بالعمل والعطاء، ورغم مصارعتها في السنوات العشر الأخيرة لمرض شديد، وتغيّبها في إنجلترا وأمريكا للعلاج، إلا أنها كانت تستثمر أوقات نقاهتها القصيرة في معاودة النشاط، فقد كانت عازمة على مواصلة الكفاح حتى النهاية. وصعدت روحها إلى بارئها في السادس من مايو 2002، ومازالت أعمالها الخيرية تتحدث بفضلها حتى هذه اللحظة.
- أنشأت الدكتورة زهيرة عابدين تخصص قلب الأطفال بعيادات خاصة للتشخيص والمتابعة في الطب حيث لم تكن التخصصات الفرعية الدقيقة في طب الأطفال قد عرفت بعد، وهي أول من جعل للطب الاجتماعي مفهومًا حيث أشركت أجهزة الطب مع الأجهزة المختصة في محاربة مرض روماتيزم القلب، فمنحتها جامعة القاهرة لقب أستاذ كرسي طب المجتمع، وذلك على أثر جهودها الطبية والمجتمعية.
- أسست جمعية أصدقاء مرضى روماتزم القلب عام 1957 م، ومن خلال هذه الجمعية أنشأت عدة مشروعات منها: مركز القلب والروماتيزم بالهرم وأسست فروع له ملحقة بالجامعة الإقليمية بكل من أسيوط وطنطا والزقازيق والمنصورة والأسكندرية.
- قامت بحملة واسعة النطاق (على مستوى الجمهورية) بالإشتراك مع وزارة الصحة لمكافحة مرض روماتيزم القلب، أسفرت هذه الحملة خلال عشرين عامًا عن انخفاض نسبة حالات القلب شديدة الوطأة في مصر من أكثر من 50% إلى 14% ثم إلي 4% ثم إلى 2%، وهو إنجاز نال تقدير العالم أجمع.
- وعندما وجدت أن علاج الأطفال يستلزم وجودهم لفترات طويلة أقامت لهم مدرسة ابتدائية ملحقة بالمستشفى.
- أنشات معهد صحة الطفل بالدقي بهدف رعاية الطفولة ووقايتها من أمراض ما قبل سن الرابعة وعلى رأسها أمراض سوء التغذية والنزلات المعوية والجفاف الشائعة بين المعوزين من أبناء الوطن.
- أنشأت سنة 1962 دورًا للطلبة الجامعيين المعوزين والمغتربين وأخرى للطالبات الجامعيات المغتربات من خارج القاهرة.
- خصصت وقفًا من مالها الخاص لإعانة الأرامل المعيلات، وأقامت وقفًا لتعليم أطفال البوسنة والهرسك.
- نهضت بجمعية الشابات المسلمات بتكليف من وزيرة الشؤون الاجتماعية فأقالتها من عثرتها وأسست من خلالها دار الحسين أمام جامعة الأزهر لخدمة أهالي الحي حيث احتوت على دار حضانة ومشغل لتعليم الفتيات بالحي التفصيل والتطريز ودار للطالبات المغتربات وعيادة طبية.
- أسست دار ضيافة للمسنات تشمل خدمتها لرعاية الأرامل ودار للأطفال الأيتام
- أسست مدارس الطلائع الاسلامية وهي باكورة المدارس الاسلامية في مصر التي هدفت من خلالها تقديم مستوى راق من التعليم مع التركيز على الدين والأخلاق.
- أسست أول كلية طب متطورة بدولة الإمارات العربية (كلية دبي الطبية للبنات) عام 1986م ووضعت مناهجها، وعكفت على إدارتها زهاء سبعة أعوام نالت خلالها الكلية تقديرًا عالميًا من الهيئات الطبية العالمية.
-
وكان الافتتاح الرسمي للكلية في شهر مارس 1988، بحضور الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وزير المالية والصناعة وقتها، ودُعيّ للحفل علماء الطب من مختلف الجامعات، كذلك مسؤولو التعليم العالي من مختلف أنحاء العالم.
- الأستاذة الأولى في طب القاهرة
- أم الأطباء
- سيدة العمل الخيري الأولى